الإعجاز في الأرض - ظاهرة الاحتباس الحراري: المرض والعلاج
| ظاهرة الاحتباس الحراري: المرض والعلاج إنها ظاهرة تهدد أرضنا وتنذر بفساد البيئة وكثرة الكوارث الطبيعية وذوبان الجليد والأعاصير والتسونامي وغير ذلك، فما هو سبب هذه الظاهرة وما هو العلاج، وأين القرآن من كل هذا...... |
في كل يوم يكشف العلماء حقائق جديدة تثبت أن صدق هذا القرآن العظيم. فالله تبارك وتعالى يقول في آية من آيات كتابه المجيد: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة: 204-205].
تأملوا معي هذه الصفات التي أطلقها القرآن على كلّ من يحاول أن يفسد في الأرض، ولكن إذا تأملنا هذه الكلمات (سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) ماذا تعني هذه الكلمات؟ إنها تعني إشارة خفية إلى ضرورة أن نحافظ على هذه الأرض التي خلقها الله تبارك وتعالى لنا، فعندما خلق الله الأرض خلقها بشكل متوازن، يقول تبارك وتعالى: (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) [الحجر: 19] أي أن هنالك نظاماً متوازناً دقيقاً ولو اختلّ هذا النظام لفسدت هذه الأرض وفسدت الحياة على ظهرها.
كما نعلم يتألف الغلاف الجوي من: 78 % غاز النيتروجين. و 21 % من غاز الأوكسجين: وهذا الغاز ضروري للحياة لا يستطيع الإنسان العيش بدونها. ويتألف من 1 % غازات أخرى منها مثلاً: غاز ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، وغازات أخرى أيضاً كثيرة.. ولكن هذه لا تشكل إلا نسبة ضئيلة ولكنها مهمة.
وكل شيء عنده بمقدار
فمثلاً: غاز ثاني أكسيد الكربون موجود على الأرض كغذاء للنباتات فالنبات يصنع لنا الثمار ويصنع الحبوب ويُخرج هذه الأوراق الخضراء، النبات يأخذ ثاني أكسيد الكربون ويمتص أشعة الشمس بالإضافة إلى أنه يمتص الماء من التراب ويصنع لنا هذه الثمار وهذا الغذاء.
ولو زادت نسبة هذا الغاز أي ثاني أكسيد الكربون في الجو بمقادير قليلة جداً فإن الحياة ستفسد على هذه الأرض وسوف يموت الناس اختناقاً لأنه غاز سام بالنسبة للإنسان. ولو نقصت نسبة هذا الغاز (أكسيد الكربون) على وجه الأرض أيضاً لاختلت الحياة لأن النباتات لا تستطيع أن تعيش بدون غاز (الكربون).
كذلك لو أن نسبة الأوكسجين التي قدرها الله بمقادير دقيقة وهو القائل: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) [الرعد: 8]، هذه النسبة من الأوكسجين أي الـ 21 % لو أنها زادت قليلاً لأصبح الغلاف الجوي عبارة عن قنبلة موقوتة لأن هذا الغاز قابل للانفجار بنسبة معينة.
ولو أن غاز النيتروجين نقص أو زاد لاختلت الحياة على وجه الأرض بل لتوقفت نهائياً. وهذا يدل على أن كل نسبة موجودة على الأرض إنما أوجدها الله تبارك وتعالى بميزان دقيق (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) [الحجر: 19]. ومن هنا نستطيع أن نتعلم من القرآن ونستجيب لنداء القرآن ألا نفسد هذا التوازن الدقيق في الأرض.
لقد جهز الله لنا هذه الأرض وأصلحها بعد أن كانت قبل ملايين السنين غير صالحة للعيش، وهيَّأها وقدَّر فيها أقواتها، ووضع فيها نسباً محددة ودقيقة بشكل شديد التوازن، وأمرنا ألا نفسد فيها سواء بالأعمال السيئة والفواحش، أو بتخريب التوازن البيئي.
فالقرآن الكريم أطلق نداءً لجميع الناس، ماذا قال لهم؟
قال: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56]. إذاً: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) الله تبارك وتعالى أصلح الأرض: أي جعلها صالحة للحياة، فإذا ما عبث فيها الإنسان وإذا ما لوّث الجوّ فإن الحياة ستفسد على هذه الأرض. وما هذا التلوث وما هذا الاحتباس الحراري إلا نتيجة إهمال الإنسان للتوازن الذي قدره الله على الأرض، ونتيجة الترف والعبث والحروب وغير ذلك من مخلفات الحضارة الحديثة.
طبعاً ربما تعجبون أن هذا النداء الذي أطلقه القرآن قبل أربعة عشر قرناً يطلقه اليوم أكثر من خمسمائة عالم في مؤتمر البيئة الذي عقد في باريس في العام 2007، وخرج العلماء بعدة نتائج من هذا المؤتمر:
النتيجة الأولى: أن زيادة غاز الكربون في الغلاف الجوي تجاوزت الحدود المسموح بها، وهي زيادة خطيرة لم تحدث من قبل على وجه الأرض، وهذا طبعاً بسبب التلوث وبسبب النفايات الصناعية والنفايات النووية وبسبب إهمال الإنسان لبيئته وعدم حفاظه عليها. وقالوا أيضاً: إن هذا التلوث لم ينجُ منه أي شيء على وجه الأرض فالبرّ قد تم تلويثه: التربة بما فيها الأشجار، وحتى ما تحت التربة ملوث، المياه الجوفية أصبحت ملوثة. البحر أيضاً أصبح ملوثاً.
وهو ما سماه العلماء بالاحتباس الحراري، أي أن حرارة الأرض محبوسة داخل الغلاف الجوي، وتزيد من معدل درجات الحرارة بما يهدد التوازن البيئي، وينذر بالكوارث الطبيعية. هذا الاحتباس يمس الإنسان لأن الإنسان يعيش على هذه الأرض، يعيش على هواء وماء الأرض، وعندما يتلوث الماء والهواء فإن هذا التلوث سينتقل إلى الإنسان نفسه.
والنتيجة الثانية أنهم قالوا: إن الإنسان هو المسؤول هذا الاحتباس الحراري لأنهم وجدوا أن هذه الزيادة الخطيرة في غاز الكربون وفي الملوثات الأخرى مثل نسبة الرصاص وغيره من المواد السامة وجدوا أنها لم تأتِ بشكل طبيعي إلى الجو إنما جاءت بفعل الإنسان نفسه، أي بما كسبت يد هذا الإنسان.
وخرجوا بنتيجة ثالثة أيضاً وهي: أنه إن لم يدركوا هذا الأمر فإن هذا سيساهم في نشوء الكوارث الطبيعية لأن الله تبارك وتعالى كما قلنا خلق الأرض بنظام متوازن وأي خلل يسببه الإنسان فإنما ينعكس على هذه البيئة ويؤدي إلى المزيد من الكوارث مثل: الأعاصير، والعواصف، وغيرها من الكوارث الطبيعية.
والنتيجة الأخيرة التي وصلوا إليها: أنهم قالوا هنالك إمكانية لعودة الوضع إلى الوراء، يعني إذا ما قام الناس باتخاذ الإجراءات اللازمة فإن هذه الإجراءات كفيلة بأن تعود بالأرض إلى وضعها الطبيعي.
يؤكد العلماء أن الزيادة في إطلاق الملوثات وإذا لم يتخذ البشر إجراءات مناسبة للحد من الاحتباس الحراري، فإن الكوارث والتغيرات المناخية، ودخول الأرض في عصور جليدية وغير ذلك ... كل هذا سيكون بانتظارك أيها الإنسان!
إذاً: نتائج أربعة وصل إليها هؤلاء العلماء:
شمل الفساد البيئي كل شيء على الأرض: البر والبحر والجو. وهذا الاحتباس أيضاً ظهر بسبب ما اقترفته يد الإنسان، لأن الإنسان هو المسؤول عن هذا الاحتباس. وهذه الزيادة الخطيرة في غاز الكربون تُنذر بفساد أرضنا التي نعيش عليها. وأن هنالك إمكانية لعودة الوضع إلى الوراء، أي هنالك إمكانية لعلاج هذا الخلل وإلا فإن العواصف والأعاصير والأمطار الحامضية أيضاً وكل هذه الظواهر سوف تتكرر وتحدث وتفسد الأرض أيضاً وتعيق الحياة على ظهر هذه الأرض.
وربما نعجب عندما نعلم أن هذه النتائج التي وصل إليها العلماء فقط في العام 2007 في مؤتمرهم وأجمع عليها أكثر من 500 عالم في مختلف الاختصاصات هذه النتائج تحدّث عنها القرآن في آية واحدة، فتأملوا معي هذه الآية الإلهية الرائعة، يقول تبارك وتعالى:
1- (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ): الحديث عن ظاهرة الاحتباس الحراري وقد سماها القرآن بالفساد لأنها فعلاً أفسدت البيئة والتربة والنبات والإنسان والحيوان في البر والبحر..
2- (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ): هذا إخبار بأن الناس هم المسؤولون عن هذا الفساد وهذا الاحتباس.
3- (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا): وهنا حديث عن نوع من أنواع العذاب ليعتبر الناس ويعودوا إلى بارئهم ورازقهم ليرفع عنهم هذا العذاب. فعندما تجف المياه وتقلّ مصادر المياه العذبة بسبب هذا التلوث وعندما تكثر الكوارث الطبيعية وأهمها الأعاصير مثلاً، وعندما تتلوث الرياح تصبح الأمطار حامضية، محملة بغاز الكبريت غير صالحة لا للسقاية ولا للشرب فجميع هذه الأشياء هي نوع من العقاب من الله تبارك وتعالى ليذيقهم بعض الذي عملوا.
4- (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ): وهنا البشارة من الله تعالى أن هناك إمكانية لأن يعود الغلاف الجوي للأرض كما كان، وهناك إمكانية لتنظيفه وإعادة التوازن إليه، وهذا ما ينادي به علماء البيئة اليوم.
نعيد قراءة هذه الآية قراءة جديدة
يقول تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]. وهنا يتساءل الإنسان لماذا حدّثنا الله تبارك وتعالى عن هذا الأمر بصيغة الماضي، لم يقل سوف يظهر بل قال: (ظَهَرَ) لماذا؟ لأن الله تبارك وتعالى يقول الحق دائماً، وعندما يقول رب العالمين (ظَهَرَ) يعني لا بد أن يأتي ذلك اليوم ويظهر فيه الفساد في الأرض وهو فعلاً ما نشاهده اليوم وما يخبرنا به العلماء يقيناً من خلال ظاهرة الاحتباس الحراري.
ثم إن الله تبارك وتعالى أعطانا من خلال هذه الآية إنذاراً، لماذا؟ لكي نحافظ على هذه الأرض لأن الله تبارك وتعالى يريد لنا الخير، ويريد لنا السعادة في الدنيا وفي الآخرة. ولذلك فإن العلماء عندما وجهوا نداءً إلى ضرورة إصلاح ما فسد من البيئة فإن الله تبارك وتعالى سبقهم في هذا الأمر، ماذا قال؟ قال تبارك وتعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56]. لأن الإنسان عندما يلجأ دائماً إلى الله تبارك وتعالى وإلى رحمة الله يجد هذه الرحمة قريبة منه.
ــــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل