شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر
سيِّدنا أنس بن مالك رضى الله عنه قال {يا رَسُولَ اللهِ إنِّي أرْجُو أنْ أنَالَ
شَفَاعَتكَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، قَالَ : لكَ ذلِكَ ، إنَّي فَاعِلٌ ، قَالَ : لَهُ ، فِإذا كَانَ ذلِكَ ،
فَأيْنَ أجِدكَ ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم : تَجِدُني عِنْدَ الصِّرَاطِ ، قَالَ : فَإنْ لَمْ
أجِدكَ هُناكَ ؟ قَالَ : تَجِدُنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ ، قَالَ : فَإنْ لَمْ أجِدكَ هُناكَ؟ قَالَ :
تَجِدُنِي عِنْدَ تَطَايِرِ الصُّحُفِ ، فِإنِّي لا أخْطِأُ هَذِهِ الثَّلاثَةَ مَوَاضِعِ}[1]
ثلاثة أشياء في الموقف سيشفع فيهم رسول الله ، عند تطاير الصحف - وهذا
بعد الخروج مباشرة - فالصحف جاهزة والحق سبحانه وتعالى سيأمر خزانة
القدرة أن تخرج ما فيها من صحف ، فتخرج كل صحيفة متجهة إلى صاحبها ،
فإن كان من أهل اليمين ؟ يمسكها بيده اليمنى ، وإذا كان من عصاة
المؤمنين؟ تأتي على يده اليسرى ، وإن كان والعياذ بالله من المنافقين ؟ ؛
تعلَّق في رقبته
فعند تطاير الصحف سيكون موجوداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى
يحصي من لم ينجح؟ ويعرفهم حتى يشفع فيهم؟ فيريد أن يطمئن ، فقد أطمأن
على الفوج الأول الذي أدخله الجنَّة أولاً ، وأطمأن على الفوج الثاني الذي
أجلسه تحت ظل العرش ، فيعـود ليرى الذين يجيئون بالكتب؟ فيريد أن يطمئن
من الذي سيأخذ كتابه بيده اليمنى ؟ ومن الذي سيأخذ كتابه بيده اليسرى
؟لأن هؤلاء الذين لهم الشفاعة ، حتى يشفع فيهم صلوات الله وسلامه عليه
هذه الشفاعة وصل به الأمر إلى أنه صلى الله عليه وسلم في ليلة القرب
والمناجاة في ليلة الإسراء والمعراج ، قال له : يا رب أمتي أمتي ، فقال له :
لا تخف {أنَا لَهُمْ مَا عَاشُوا ، وَأنَا لَهُمْ إذا مَاتُوا وأنَا لَهُم فِي القُبُورِ ، وَأنَا لَهُمْ
فِي النُشُوِر} قال : أنا خائف ، قال له {أبْشِرْ فَإنَّا لا نَسُوءكَ فِي أمَّتِكَ} وهذا
الأمر الذي قال فيه سيدنا حسان بن ثابت
سمعنا في الضحى ولسوف يعطي فسر قلوبنا ذاك العطاء
وكيف يا رسول الله ترضى وفينا من يعذب أو يساء
فقال له : أريد الضمان ، قال له {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }الضحى5
قال له : إذاً لا أرضى وواحد من أمتي في النار ، فيشفع لأهل الحساب ،
فالذي يشفع له عند الميزان ، ومن الذي يشفع له عند الميزان؟ ، قال صلى
الله عليه وسلم {مَنْ مَشَىَ فِي حَاجَةِ أخِيِهِ الْمُسْلِمِ قُضِيَتْ أَوْ لَمْ تُقْضَىَ ، كُنْتُ
وَاقِفَاً عِنْدَ مِيزَانِهِ فَإنْ ثَقُلَتْ كَفْةُ حَسَنَاتِهِ وَ إلا شَفَعْتُ لَهُ}[2]
ذلك لمن يمشي في حاجة أخيه المؤمن، ليس لعلة ، أو لغرض ، قال : سأقف
عند ميزانه ، فإذا رجحت كفة حسناته فبها ونعمت ، وإن لم ترجح كفة حسناته
؛ شفع له رسول الله صلى الله عليه وسلم
المكان الثاني : عند الصراط ، ولمن يشفع عند الصراط ؟ قال : لمن يصلي
عليه صلوات الله وسلامه عليه {أكثِرُوا مِنْ الصَّلاةِ عَلَيَّ فَإنَّهَا نُورُكُمْ عَلَى
الصِّراطِ ، وَ أوْلَىَ النَّاسِ بِي يَوْمَ القِيَامَةِ أكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً}[3]
فيشفع له ، وماذا تعني الشفاعة هنا؟ الصراط كما نعلم أرق من الشعرة ،
وأحد من السيف - وهذا بالنسبة للكفار - ولكن لك أنت؟ ، فرسول الله قال {
يكُونُ الصِّرَاطُ للمُؤمِنِ عَرْضُهُ كَمَسِيرَةِ ثَلاثَةِ أيَّام}[4]
فعرضه مثلما يمشي الواحد منا ثلاثة أيام ، وهؤلاء الذين يذهبون سائرين ،
ومنهم من يذهب راكباً ،فجماعة يركب لهم أجنحة فيطيرون ، وجماعة
يجوزونه كالبرق الخاطف ، يدفعهم رسول الله دفعة فيجوزون كالبرق الخاطف
، وجماعة تحملهم الريح فيمرون عليه كالريح السريعة
سيدنا جبريل وهو مع رسول الله عند سدرة المنتهى وقف هناك فبكى ، قال له
ما يبكيك يا أخي يا جبريل؟ ، قال له : منذ خلقني الله سبحانه وتعالى وأنا
خائف من دخول النار – لأنه يرى عظمة الله وجلال الله وقهر الله فخوفه ذلك -
فاطلب لي الأمان من الله سبحانه وتعالى؟ فنزل قول الله سبحانه وتعالى {نَزَلَ
بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ{194} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ
مُّبِينٍ{195}الشعراء
قال له: أبشر فقد نلت الأمان ، قال له : يا رسول الله فإني سأكافئك بها ، قال
: بماذا تكافئني؟ ، قال :سأجعل جناحي على الصراط يوم القيامة فتمر عليه
أمتك ، وجناحه كما تعلمون له ستمائة جناح ، لو ظهر واحد منها لحجب ضوء
الشمس ، فسيضع جناحه على النار ؛ حتى يمر المؤمنون على الصراط ولا
يقعون في جهنم
فيذهب رسول الله ليمرر أمته على الصراط ، فمنهم من يمر مثل البرق ،
ومنهم من يمر كالريح الشديدة، ومنهم من يحملون على جناح سيدنا جبريل ،
ومنهم من يتسع لهم الصراط ليسيروا ، وهذا كله بشفاعة رسول الله صلى الله
عليه وسلم
من الذي سيحرم من هذه الشفاعة؟ لن يحرم إلا أهل الكبائر ، وهؤلاء أيضاً
يأتي رسول الله يشفع فيهم ، فيستغيثون : يا محمد يا محمد يا محمد ، فيقول :
يارب أمتي أمتي ، فيقول له {إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ؛ فَأَقُولُ :
سُحْقاً}[5]
إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك؟ ، فيقول لهم : اذهبوا لتأخذوا حظكم من النار
، لكن أيتركهم؟ لا ، يبدأ الشفاعة الخاصة التي يقول فيها {شَفَاعَتي لأهِلِ
الكَبَائِرِ مِنْ أمَّتي}[6]
{فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي ، فَيُؤْذَنُ لِي ، فَأَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لاَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ
الآنَ ، يُلْهِمُنِيهِ الله ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِداً ، فَيُقَالُ لِي : يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رأْسكَ ، وَقُلْ
يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ : رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي ، فَيُقَالُ :
انْطَلِقْ ، فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا
، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ، ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِداً ،
فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ،
فَأَقُولُ : أُمَّتِي أُمَّتِي ، فَيُقَالُ لِيَ : انْطَلِقْ ، فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ، ثُمَّ أَعُودُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ
الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِداً ، فَيُقَالُ لِي : يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ
، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي ، فَيُقَالُ لِيَ: انْطَلِقْ ،
فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ – وفى
رواية أخرى : وكانَ في قَلْبِهِ ما يَزِنُ مِنَ الخَيْرِ ذَرَّةً - فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ ،
فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ}[7]
وفى رواية {يَا رَبِّ ائذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لا إلَهَ إلا الله وَلَوْ مَرَّةً}
وهذه هي التي سيندم عليها الآخرون ، وفيها يقول الله {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ
لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ}الحجر2
وهناك شفاعة أخرى لأهل الجنة ، الذين دخلوها ، ويريدون المنازل العالية
والدرجات الراقية فيها ، والتي لم تبلغها أعمالهم ، ولا يوصل إليها جهادهم ،
فيذهبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيشفع لهم عند الله ، فيرقيِّهم
الله في المنازل الرضوانية ، والدرجات الجنانية دون نظر إلى مجهودهم ،
إكراماً له ، وإلى هذا الإشارة بالحديث الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم
{يُحْشَرُ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَوْمَ الْقِيَامَة}[8]