السؤال:
أنا من بنجلادش حيث ينتشر المذهب الحنفي الديبوندي الذي يخالف أهل السنة في كثير من الأمور بما في ذلك طريقة الصلاة ، وعندما أذهب لزيارة البلد وأصلي وفقاً للسنة وأرفع يدي أثناء الصلاة يعترض بعضهم ويقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه أثناء الصلاة إلا مرات منزورة ؛ وذلك لكي يكشف أولئك الذين كانوا يخبّئون الأصنام تحت آباطهم ممن اعتنقوا الإسلام حديثاً ، فما تعليقكم على هذه القصة لأنها رائجة جداً في أوساط المسلمين هناك؟
ويقولون أيضاً : إنه لا داعي للتأمين بصوت مرتفع ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك إلا مرات قليلة ؛ لكي يتأكد من حضور المصلين خلفه ، لأن بعضهم كان يهرب أثناء الصلاة ، فما تعليقكم ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الواجب على المسلم أن لا يتعصب لقول أحد من الأئمة كائنا من كان ، فكل عالم له اجتهاداته التي يصيب في بعضها ويخطئ في البعض الآخر ، فإن أصاب فله أجران ، (أجر على اجتهاده ، وأجر على إصابته للحق) وإن أخطأ فله أجر على اجتهاده ، وخطؤه مغفور له ، هكذا أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقد قال الإمام مالك رحمه الله : (كلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وبناء على هذا ؛ فلا حرج على المسلم أن يقلد إماما من أئمة المسلمين فيما ذهب إليه من المسائل والأحكام .
ولكن متى تبينت له أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قول ، أو فعل ، قد صحت بغير قول إمامه ، ومذهبه وجب عليه اتباع السنة وترك قول إمامه .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : " أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ " انتهى من من "إعلام الموقعين" (1/6) .
وينظر جواب السؤال رقم : (229193) .
وقد ذكرت مسألتين ، وهما : رفع الأيدي مع التكبير في الصلاة ، ورفع الصوت بالتأمين .
أما رفع اليدين فقد رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم نحو من ثلاثين صحابيا ، ونقل عن الخلفاء الراشدين العمل به .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (224635) .
فلا مجال للطعن في ثبوت هذه السنة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو الطعن في دلالتها.
وأما ما ذكره السائل من أنه انتشر عند المسلمين في بلده أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يرفع يديه في بادئ الأمر حتى يكشف أولئك الذين يخبئون الأصنام تحت آباطهم !!
فهذا القول ، وأشباهه من التأويلات ، بل التحريفات الباطلة : إنما يحمل عليه ـ عادة ـ التعصب للإمام ، أو المذهب ، أو العادة التي نشأ عليها الإنسان في بلده ؛ فهو يسعى إلى تصحيحها ، غاية جهده ، ولو تكلف في ذلك ما تكلف !!
ومما يدل على بطلان هذا التلاعب بالنصوص ، والتحريف لدلالتها :
1- أن الأحاديث الواردة في رفع اليدين عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها كانت في المدينة ، فهل كان الصحابة يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده والأصنام تحت آباطهم ؟!
2- أن رفع اليدين ثبت عن الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم كما سبق بيانه ، وهذا يدل على أنهم رأوه سنة من سنن الصلاة التي ينبغي للمسلم أن يفعلها اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء الخلفاء هم أعلم الأمة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأحرصهم على اتباعه بلا شك ؛ فهل بقي الناس يستترون بالأوثان تحت آباطهم ، حتى زمان الخلفاء الراشدين ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم .
3- أن أبا حميد الساعدي رضي الله عنه وصف صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم فذكر رفع اليدين مع التكبير ، وكان في مجلسه عشرة من الصحابة ، ولم يعترض أحد منهم على رفع اليدين ، بل وافقوه على أن تلك هي صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم . رواه أبو داود (637) ، وأصله في صحيح البخاري .
4- أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم عدم رفع اليدين مع التكبير ، كما قال ذلك الإمام البخاري رحمه الله في كتابه "رفع اليدين" ، فكيف تكون السنة عدم الرفع ثم يخفى ذلك على جميع الصحابة رضي الله عنهم ؟!
فالحاصل أن هذا الكلام لا شك في بطلانه ، والأدلة على بطلانه كثيرة .
وأما التأمين خلف الإمام بصوت مرتفع : فقد جاء ما يدل عليه في بعض الأحاديث ، ولكن لم تثبت ولم تتواتر بها الرواية ، كالأحاديث الثابتة في رفع اليدين ، غير أنه قد ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم .
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (234769) .
والحاصل : أن مثل هذه التحريفات التي ذكرها السائل إنما يحمل عليها في الغالب التعصب المحض ، كما سبق بيانه ؛ والواجب على المسلم أن تكون متابعته للرسول صلى الله عليه وسلم أعظم ، وأن تكون محبته للحق أشد .
والعالم الذي أخطأ في اجتهاده : لا نقدح فيه ولا نتطاول عليه ، ونعتقد أن له أجرا على اجتهاده ، وخطؤه مغفور له .
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
والله أعلم .