ليس من إنسان على وجه الأرض اليوم لا يخطئ أو يضعف أحيانًا ويقترف معاصي يتمنى من الله أن يتوب عليه فيقلع عنها، ولعله يندم أشد الندم إذا فرغ منها.
هذا الإحساس بالندم وعدم التفاخر بالذنب يكون بإذن الله طريقًا إلى التغيير للأفضل، والمعافاة من ذلك الذنب أو غيره.
المشكلة الحقيقية تكمن في تقديري في أمرين رئيسين:
المجاهرة والشرعنة!
فالمجاهرة بالذنب تكاد تكون علامة على استحلاله والتفاخر به.
والمجاهر لا يكتفي بذنبه القاصر على نفسه بل يجعله متعديًا يفتن به غيره، ولعل ذلك سبب تلك القاعدة النبوية المحكمة الحاسمة: «كلُّ أمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرينَ» (صحيح البخاري؛ برقم: [6069]).
ذلك لأنهم لا يجدون غضاضة من استعلانهم بالذنب، ويكون في ذلك نوع من الترويج له واستحسانه في قلوب المستمع، خاصة إذا كان المجاهر المستعلن في مقام القدوة لدى البعض.
أما المشكلة الثانية -الأخطر- فهي (شرعنة الذنب) وتوهين حرمته في القلوب شيئًا فشيئًا، وتغليف ذلك بأطر شرعية كادعاء وجود الخلاف أو تسويغ ذلك الخلاف إن وجد، وتكلف افتراض المصلحة الراجحة، وربما ينتهي هذا الطريق بما ادعاه الأولون حين اقترفوا فواحشهم فقالوا {وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف من الآية:28]، أو بما ستروا به تخاذلهم النفاقي من علل شرعية وألفاظ دينية كالعورة والفتنة {بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } [الأحزاب من الآية:13]، و{ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي} [التوبة من الآية:49].
وكذلك تزداد الخطورة وتتضاعف إن كان هذا المسوغ المشرعن للخطأ في مقام القدوة، أو كان من موطوئي العقب الذين يأتم الناس بهم.
حينئذ يميع الدين وتطمس الثوابت وتضيع القيم ولا يبقى من الشرع إلا مظهره، بينما تكون حقائقه ومبادئه التي تربى عليها معروضة في (أوكازيون) التنازل المستمر لدى أقوام لن يرضوا إلا باعتصاره الكامل حتى آخر قطرة..
قطرة دين!