استهداف السودان بدأ منذ دولة الفونج الإسلامية
بقلم محمد رشوان
يعتقد الكثيرون في السودان وفي غير السودان ان بلادنا أصبحت محل استهداف من قوى الاستعمار العالمي في اعقاب تولي الانقاذ حكم البلاد، وفات على هؤلاء ان السودان كان مستهدفاً من الاستعمار الأوروبي القديم في القرن التاسع عشر، بل ومن العديد من الطامعين في موارده وخيراته وانسانه وموقعه الاستراتيجي المتميز.
وبدأ ذلك منذ أن أصبحت ارض السودان قبلة للهجرات الفردية والجماعية والشعبية والرسمية التي أخذت تنشر الإسلام بالحسنى والقدوة الحسنة منذ القرن الأول الهجري وحتى القرن العاشر عبر حدود مصر وعن طريق البحر الاحمر، وبالرغم من ذلك فان تلك الجهود كانت تتم بطريقة عفوية وبطيئة وبجهد غير منظم حتى بعد النصر الكبير المؤزر الذي تحقق بسقوط مدينة دنقلا العام 7031م واعتلاء ملك مسلم لعرشها في اعقاب سقوط دولة المقرة المسيحية، غير ان البلاد في تلك الفترة تعرضت للفوضى والفرقة والانقسامات وظلت مملكة علوة قائمة في المناطق الوسطى من السودان طيلة ألف عام. ولم تحسم قضية التحول الحضاري نهائياً في السودان الا بقيام دولة الفونج الاسلامية العام 4051 في اعقاب تحالف زعيم الفونج عمارة دنقس وكبير العبدلاب عبد الله جماع وبذلك استطاعت دولة الفونج أو مملكة سنار أن تقدم للسودان حكومة قومية موحدة واستطاعت ان تقدم جهداً عظيماً للتمكين للاسلام والحضارة الاسلامية وكان لتلك الدولة الفضل في اعطاء السودان وجهه العربي الاسلامي الذي يظهر به اليوم.
وقد استطاع تحالف الفونج والعبدلاب القضاء على دولة علوة والاستيلاء على عاصمتها سوبا وكان قيام دولة الفونج قد ترتّبت عليه نتائج مهمة على الصعيدين المحلي والعالمي وكان ذلك ايذاناًً بانتشار الدين الاسلامي والسيطرة العربية في السودان وعّم السرور معظم البلاد الاسلامية لان هذا الحدث كان بلسماً لجراح المسلمين الذين اصابهم الاسى والحزن نتيجة لسقوط دولة الاندلس على أيدي المسيحيين العام 1492م وانعش هذا الحدث الآمال في نفوس المسلم ين بقيام هذه الدولة الاسلامية الجديدة.
وما يفرح المسلمين من أحداث يسوء الصليبيين الذين لا يريدون ان تقوم للاسلام قائمة. ومنذ ذلك التاريخ كان السودان محل اهتمام القوى العالمية المعادية التي ترى في انتشار الاسلام خطراً كبيراً على وجودها - تلك القوى التي حشدت واستنفرت شعوبها وجيوشها بمختلف مشاربهم لتخوض ما اسمته بالحروب الصليبية ولا جدال أن المستهدف من تلك الحروب كان الاسلام والمسلمين ولم يكن الهدف فقط ردع الاسلام والتعايش معه كقوة مستضعفة، ولكن الهدف كان سحقه بالكامل بل ومحوه من الوجود. وخير شاهد على ذلك المذابح الوحشية والابادة الجماعية والفظائع التي ارتكبها الصليبيون عند دخولهم القدس. ثم جاء صلاح الدين الايوبي واعاد القدس إلى حضن الاسلام حين جرّع الصليبيين الهزيمة.
وفي القرن التاسع عشر وابان الموجة الاستعمارية دخل البريطانيون القدس ولم ينسوا حقدهم الدفين على الاسلام ،فقد احتل الصليبيون القدس عام 1099م وسقطت فلسطين في ايدي التتار العام 1260م ووقف قطز بصلابة في وجه التتار الغزاة وألحق بهم هزيمة نكراء في معركة عين جالوت في 52 رمضان 856هـ واحتل البريطانيون القدس في 9 ديسمبر 1917م واعلنوا بكل صلف وعنجهية المستعمرين عن طبيعة هذا الاحتلال عندما قال القائد البريطاني أللنبي (اليوم انتهت الحروب الصليبية). وهذا عين ما فعله القائد الفرنسي غورو في اعقاب احتلاله لسوريا ووقوفه على قبر صلاح الدين قائلاً بلهجة المنتشي المنتصر: (ها قد عدنا ثانية يا صلاح الدين) وهكذا فان كل الصليبيين واعداء الاسلام سواسية في عدائهم للمسلمين من لدن الجنرال ألنبى إلى جورج بوش وتوني بلير.
وبالأمس القريب عندما حلت بمدينتي واشنطن ونيويورك هجمات 11 سبتمبر ألقى الرئيس بوش خطابا قال فيه انهم سيتعقبون الارهابيين بحرب صليبية اخرى ويعني استهداف الاسلام كدين والاستعداد للقضاء على كل من يرفع رأسه من شعوبه.
استهداف التركية للسودان
عندما اعتلى محمد علي باشا سدة الحكم في مصر راودته احلام بناء امبراطورية تشمل مصر وبلاد الشام والجزيرة العربية. وكان يرى ألاّ سبيل إلى تحقيق ذلك الحلم إلا ببناء دولة مركزية وطيدة الاركان مهابة الجانب ولا يتسنى ذلك إلا ببناء جيش عرمرم واقتصاد راسخ يستطيع الانفاق على الامبراطورية وعلى حمايتها والذود عن حياضها.
وهداه تفكيره بالتوجه جنوباً إلى السودان الذي كان مشهوراً باًنه بلاد الخيرات الوفيرة والرجال الاشداء والثروت الطائلة. وكانت مملكة الفونج هي اكبر الممالك السودانية وقتذاك فأرسل بعض رجاله بالهدايا لملوكها ولم يكن اولئك الرسل سوى جواسيس يريدون ان يقيِّموا الاوضاع الامنية في السودان ومدى استعداد مملكة سنار للقتال والدفاع في حالة غزوها. وتأكد لرسل محمد علي أن دولة الفونج كانت تترنح وان الخلافات كانت تعصف بقادتها.
واستقر رأي الوالي محمد علي على إرسال جيشين احدهما بقيادة ابنه اسماعيل باشا وخط سيره مع محاذاة النيل حتى سنار، والآخر بقيادة صهره الدفتردار ويتوجه إلى كردفان عبر الطريق الصحراوي. ومما يدل على أطماع هؤلاء الغزاة في خيرات السودان وفي اخضاعه أن المقدوم مسلم حاكم كردفان من قبل سلاطين الفور خرج من عاصمته الابيض وقابلهم في بارا وارسل رسالة إلى الدفتردار يقول فيها: (نحن مؤسلمون وانتم مسلمون فلماذا نريق الدم المسلم؟) ولم يحرك ذلك النداء شعرة في الدفتردار وقاتل المقدوم ورجاله ببسالة واستشهد في تلك الموقعة.
ومعلوم أن اسماعيل بن محمد علي احرق في مدينة شندي على يد المك نمر واعوانه واعقبت تلك الحادثة حملات الدفتردار الانتقامية التي قتل فيها آلاف السودانيين انتقاماً لمقتل اسماعيل، وكانت سنوات الحكم التركي سنوات قتل وفظاعات ارهقت كاهل السودانيين بالضرائب الباهظة التي كانت تجُبى بطريقة غاية في الوحشية، ولذلك ارتبطت التركية بكل ما هو جائر وظالم. ثم ثار الامام محمد احمد المهدي والتف حوله مئات الالوف من السودانيين وحول راية (لا إله إلا الله) لطرد المستعمرين، وازداد حنق الاستعمار الغربي على ظهور الثورة الاسلامية ونجاحها في السودان، خاصة بعد مقتل الجنرال هكس باشا في شيكان ثم غردون باشا في الخرطوم، وتولت دولة المهدية حكم السودان طيلة««13» عاماً وبلغ حقد الصليبيين والاستعماريين مداه ولابد لهم من اقتلاع هذه الدول الاسلامية وكانوا يتحينون الفرص ويتربصون بدولة المهدية الدوائر حتى قررت بريطانيا غزو السودان باسم الحكم الثنائي وان كان الغزو بريطانياً خالصاً، وكانت دوافع ذلك الغزو القضاء على المهدية ومحو كل أثر اسلامي، وكانت موقعة كرري العام 1899م مجزرة استخدم فيها البريطانيون الرشاشات والبارجات الحربية في مواجهة الانصار بأسلحتهم العتيقة.
وما يكشف عن حقد المستعمرين استباحتهم لمدينة ام درمان وما ان ظهر نظام حكم الانقاذ وظهرت توجهاته الاسلامية حتى جنَّ جنون الاستعمار العالمي القديم الذي تمثله بريطانيا وتوني بلير والاستعمار العالمي الجديد الذي تمثله الولايات المتحدة بقيادة جورج بوش، وكانت الولايات المتحدة قد سعدت كثيراً بتفكك الاتحاد السوفيتي واعتبرت أنها أمنت شر الخطر الاحمر وبقى أمامها خطر واحد هو (الخطر الاخضر) المتمثل في الإسلام ورأت ان تضرب بقوة وتدمر كل من يعلن مناصبته أمريكا العداء، وحتى الدول الاسلامية التي تصر على حرية قرارها واستقلالها. وحسبت قوى الاستعمار الجديد أن دولة الاسلام قد عادت للمرة الثالثة بعد دولة الفونج الاسلامية ودولة المهدية الاسلامية. وسرعان ما أعلنت ادارة كلينتون مناصبتها العداء لحكومة الانقاذ ودمغتها برعاية الارهاب واعلنت ان لها هدفاً واحداً وهو اقتلاع هذا النظام من جذور وبالفعل امدت دول الجوار بملايين الدولارات وزودتها بالمعدات الحربية والعتاد والدعم اللوجستي وحّرضتها على شن حرب على السودان لزعزعة الاستقرار فيه، وكانت مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية في تلك الفترة تجوب دول المنطقة وتحرضها على دعم قوات التمرد والعمل على زعزعة الاستقرار ولكن كل تلك الجهود العسكرية لم تستطع اقتلاع نظام الانقاذ. ولذا فقد رأت إدارة بوش تغيير سياستها تجاه السودان وان تعمل على حل مشكلتى جنوب السودان دارفور، لكنها ما زالت ماضية في مكائدها تجاه السودان فالبرغم من مساعدتها في احلال السلام في الجنوب فقد ظلت تهدد السودان، بقرارات مجلس الامن وتفرض عليه حظراً اقتصادياً - ذلك الحظر الذي يؤثر بصورة مباشرة على شعب السودان، وتجد تلك السياسات الامريكية المعادية للسودان الدعم والتأييد من بريطانيا.

سودانيز اوف لاين